الاثنين، 31 يناير 2011

مبشرات وارهاصات النبوة

بسم الله الرحمن الرحيم
مجموعة
إحياء سنن المصطفى صلى الله
عليه وسلم

مبشرات وارهاصات النبوة


عن ابن عباس ، عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال : قال عبد المطلب : « قدمت اليمن في رحلة الشتاء ، فنزلت على حبر من اليهود ، فقال رجل من أهل الزبور ، - يعني أهل الكتاب - : ممن الرجل ؟ قلت : من قريش ، قال : من أيهم ؟ قلت : من بني هاشم ، قال : يا عبد المطلب ، أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك ؟ قال : نعم ، ما لم يكن عورة ، قال : ففتح أحد منخري (1) ، ثم فتح الآخر ، فقال : أشهد أن في إحدى يديك ملكا ، وفي الأخرى نبوة ، وإنا نجد ذلك في بني زهرة ، فكيف ذلك ؟ قلت : لا أدري ، قال : هل لك من شاعة ؟ قلت : وما الشاعة ؟ قال : الزوجة ، قلت : أما اليوم فلا ، فقال : فإذا رجعت فتزوج فيهم ، فرجع عبد المطلب إلى مكة ، فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة ، فولدت له حمزة ، وصفية ، وتزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب ، فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووهب ووهيب أخوان ، فقالت قريش حين تزوج عبد الله : فلج عبد الله على أبيه »

عن ابن شهاب الزهري ، قال : « كان عبد الله بن عبد المطلب أحسن رجل رؤي قط ، خرج يوما على نساء قريش مجتمعات ، فقالت امرأة منهن : أيتكن تتزوج بهذا الفتى ، فتصطب النور الذي بين عينيه ، فإني أرى بين عينيه نورا ، فتزوجته بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجأة ، فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم » قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله : ففي ابتغاء اليهود واليهودية وضع هذا النور الذي انتقل إلى آمنة بنت وهب فيها ، وذكرهم بني زهرة وإن هذا الأمر لا يكون فيهم دلالة واضحة على تقديم الخبر والبشارة بذلك في الكتب السالفة ، وما يكون من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعثته كل ذلك آيات واضحة ، وبراهين صحيحة لائحة على نبوته وبعثته صلى الله عليه وسلم

عن عثمان بن أبي العاص ، قال : أخبرتني أمي ، أنها حضرت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ضربها المخاض (1) ، قالت : فجعلت أنظر إلى النجوم تدلى ، حتى قلت : لتقعن علي ، فلما وضعت خرج منها نور أضاء له البيت والدار ، حتى جعلت لا أرى إلا نورا

عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف ، قال : « كنت أنا ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم تربا ، وكانت أمي الشفاء بنت عمرو بن عوف ابنة عم أبيه ، فكانت تحدثنا عن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت أمي الشفاء بنت عمرو : لما ولدت آمنة محمدا صلى الله عليه وسلم وقع على يدي ، فاستهل ، فسمعت قائلا يقول : رحمك ربك ، قالت الشفاء : فأضاء لي ما بين المشرق والمغرب ، حتى نظرت إلى بعض قصور الشام ، قالت : ثم ألبنته ، وأضجعته ، فلم أنشب أن غشيتني (1) ظلمة ورعب وقشعريرة ، ثم أسفر عن يميني ، فسمعت قائلا يقول : أين ذهبت به ؟ قال : ذهبت به إلى المغرب ، قالت : وأسفر ذلك عني ، ثم عاودني الرعب به ؟ قال : إلى المشرق ، ولن يعود أبدا ، فلم يزل الحديث مني على بال حتى ابتعث الله عز وجل رسوله ، فكنت في أول الناس إسلاما


عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : رأت آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم في منامها ، فقيل لها : إنك قد حملت بخير البرية وسيد العالمين ، فإذا ولدتيه فسميه أحمد ومحمدا ، وعلقي عليه هذه ، قال : فانتبهت ، وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب فيها : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد وكل خلق رائد من قائم وقاعد عن السبيل عاند على الفساد جاهد من نافث ، أو عاقد وكل خلق مارد (1) يأخذ بالمراصد في طرق الموارد أنهاهم عنه بالله الأعلى ، وأحوطه منهم باليد العليا ، والكف الذي لا يرى ، يد الله فوق أيديهم ، وحجاب الله دون عاديهم ، لا يطردونه ، ولا يضرونه في مقعد ، ولا منام ، ولا مسير ، ولا مقام ، أول الليالي ، وآخر الأيام ، أربع مرات بهذا

عن ابن بريدة ، عن أبيه بريدة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسترضعا في بني سعد بن بكر ، فقالت أمه آمنة لمرضعته : « انظري ابني هذا فسلي عنه ، فإني رأيت كأنه خرج مني شهاب أضاءت له الأرض كلها ، حتى رأيت قصور الشام ، فسلي عنه ، فلما كان ذات يوم مرت به ، حتى إذا كانوا بذي المجاز إذا كاهن من تلك الكهان ، والناس يسألونه ، فقالت : لأسألن عن ابني هذا ما أمرتني به أمه آمنة قال : فجاءت به ، فلما رآه الكاهن أخذ بذراعيه وقال : أي قوم اقتلوه اقتلوه أي قوم اقتلوه اقتلوه قالت : فوثبت عليه ، فأخذت بعضديه (1) واستغثت ، فجاء أناس كانوا معنا ، فلم يزالوا ، حتى انتزعوه منه ، وذهبوا به »

عن داود بن أبي هند ، قال : « توفي أبو النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمه حبلى به ، فلما وضعته نارت الظراب (1) لوضعه ، واتقى الأرض بكفيه ، حين وقع ، وأصبح يتأمل السماء بعينيه ، وكفأوا عليه برمة (2) ضخمة ، فانفلقت عنه فلقتين »

حدثني الربيع بن عبد الله ، عن عبد الله بن حسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين ، عن عمتها زينب بنت علي ، عن أبيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت أبا طالب ، يحدث أن آمنة بنت وهب ، لما ولدت النبي صلى الله عليه وسلم ، جاءه عبد المطلب ، فأخذه وقبله ، ثم دفعه إلى أبي طالب ، فقال : هو وديعتي عندك ليكونن لابني هذا شأن ، ثم أمر فنحرت الجزائر ، وذبحت الشاء ، وأطعم أهل مكة ثلاثا ، ثم نحر في كل شعب (1) من شعاب مكة جزورا (2) ، لا يمنع منه إنسان ، ولا سبع ، ولا طائر

عن الحسن البصري : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله ما حجة الله على كسرى فيك ؟ قال : بعث الله إليه ملكا فأخرج يده من سور جدار بيته الذي هو فيه تلألأ نورا ، فلما رآها فزع فقال : لم تفزع يا كسرى ؟ إن الله عز وجل قد بعث إليك رسولا وأنزل عليه كتابا فاتبعه تسلم دنياك وآخرتك ، قال : سأنظر

عن الزبير بن موسى عن أبي الحويرث ، قال : سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الليثي يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ فقال : رسول الله صلي الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه ، ولد رسول الله صلي الله عليه وسلم عام الفيل وتنبأ على رأس أربعين من الفيل ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله

عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس ، أنه قال : « كان من حديث أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم الحبشي كان ملك اليمن ، وأن ابن ابنته أكشوم بن الصباح الحميري خرج حاجا ، فلما انصرف من مكة نزل بكنيسة بنجران ، فغدا عليها أناس من أهل مكة ، فأخذوا ما فيها من الحلي ، وأخذوا متاع أكشوم ، فانصرف إلى جده الحبشي مغضبا ، فلما ذكر له ما لقي بمكة من أهلها تألى (1) بيمين أن يهدم البيت ، فبعث رجلا من أصحابه يقال له شمر بن مصفود على عشرين ألفا من خولان ، ونفر من الأشعريين ، فساروا حتى نزلوا أرض خثعم ، فتنحت خثعم عن طريقهم ، وكلمهم التقتال الخثعمي ، وكان يعرف كلام الحبشة ، فقال : هذان على شمران قوسي على أكلت ، وسهمي قحافة ، فأنا جار لك ، فسار معه وأحبه ، فقال له التقتال : إني أعلم الناس بأرض العرب وأهداهم بطريقهم ، فطفق يجبهم في مسيرهم الأرض ذات المهمة ، حتى تقطعت أعناقهم عطشا ، فلما دنا من الطائف خرج إليهم فارس من خثعم ، ونصر ، وثقيف ، فقالوا : ما حاجتك إلى طريقنا ؟ وإنما هي قرية صغيرة ، لكنا ندلك على بيت بمكة يعبد ، وهو حرز (2) لمن يجاء إليه ، من ملكه تم له ملك العرب ، فعليك به ، ودعنا منك ، فأتاه ، حتى بلغ المغمس ، فوجد إبلا لعبد المطلب بن هاشم مائة ناقة مقلدة (3) ، فأنهبها بين أصحابه ، فلما رأى ذلك عبد المطلب جاءه ، وكان جميلا ، وكان له صديق من أهل اليمن ، يقال له ذو نفر ، فسأله أن يرد إليه إبله ، فقال : إني لا أطيق ذلك ، ولكن إن شئت أدخلتك على الملك ، فقال عبد المطلب : فافعل ، فأدخله عليه ، فقال : إن لي إليك حاجة قال : قضيت كل حاجة جئت تطلبها قال : إنا في بلد حرام في سبيل بين أرض العرب وبين أرض العجم ، وكانت لي مائة ناقة مقلدة ترعى هذا الوادي بين مكة وتهامة ، عليها نمير أهلنا ، ونخرج إلى تجارتنا ، ونتحمل من عدونا ، عدا عليها جيشك فأخذوها ، وليس مثلك يظلم من جاوره ، فالتفت الحبشي إلى ذي نفر ، ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجبا ، فقال : لو سألني كل شيء أحرزه أعطيته إياه ، أما إبلك فقد رددتها عليك ومثلها ، فما منعك أن تكلمني في بيتكم هذا ، وبلدكم هذا ؟ فقال عبد المطلب : أما بيتنا هذا ، وبلدنا هذا ، فإن لهما ربا ، إن شاء أن يمنعهما منعهما ، ولكني أكلمك في مالي ، فأمر عند ذلك بالرحيل ، وتألى ليهدمن مكة ، فانصرف عبد المطلب ، وسمع تأليه في مكة ، وقد هرب أهلها ، فليس بها أحد إلا عبد المطلب ، وأهل بيته ، فأخبرهم بذلك ، فاندفع يرتجز (4) ، وهو يطوف حول الكعبة : لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك فلئن فعلت فبها وإلا فالأمر ما بدا لك ولئن فعلت فإنه أمر تتم به فعالك غدوا لجموعهم والفيل كي يدوسوا عيالك ولئن تركتهم وكعبتنا فوا حزنا هنالك فلما توجه شمر وأصحابه بالفيل ، وقد أجمعوا ما أجمعوا طفق (5) كلما وجهوه إلى مكة أناخ وبرك ، فإذا صرفوه عنها من حيث أتى أسرع السير فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل وخرجت عليهم طير من البحر لها خراطيم ، كأنها البلس شبيهة بالوطاويط حمر وسود ، فلما رأوها أشفقوا منها ، وسقط في أذرعهم ، فقال شمر : ما يعجبكم من طير خمال جنبها الليل إلى مساكنها ، فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق ، تقع في رأس الرجل ، فتخرج من جوفه ، وكان فيهم أخوان من كندة ، أما أحدهما ، ففارق القوم قبل ذلك ، وأما الآخر ، فلحق بأخيه حين رأى ما رأى ، فبينما هو يحدثه عنها إذ رأى طيرا منها قال : كان هذا منها ، فدنا منه الطير ، ففدغه بحجر ، فمات ، فقال أخوه الناجي منها : فإنك لو رأيت ، ولن ترانا خبت لذي الغمرين ما لقينا خشيت الله لما بث طيرا بظل سحابة مرت علينا وباتوا كلهم يدعو بحق كأن قد كان للحبشان دينا فلما أصبحوا من الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم ، فلم يروا أحدا غشيهم ، فبعث ابنه على فرس له سريع ينظر ما لقوا ، فإذا القوم مشدخون جميعا ، فرجع يرفع فرسه كاشفا عن فخذه ، فلما رأى ذلك أبوه قال : إن ابني أفرس العرب ، وما كشف عن فخذه إلا بشيرا ، أو نذيرا ، فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : هلكوا جميعا ، فخرج عبد المطلب وأصحابه ، فأخذوا أموالهم ، فكانت أول أموال بني عبد المطلب من ذلك المال ، وقال عبد المطلب : أنت منعت الجيش والأفيالا وقد رعوا بمكة الأجبالا وقد خشينا منهم القتالا وكل أمر لهم معضالا شكرا وحمدا لك ذا الجلالا » وقال عمارة العبد : الله ربي وولي الأنفس أنت حبست الفيل بالمغمس فانصرف الأسود بن مصفود هاربا وحده ، وكان أول منزل نزله سقطت يده اليمنى ، ثم نزل منزلا آخر فسقطت يده اليسرى ، فأتى منزله وقومه وهو حينئذ لا أعضاء له ، فأخبرهم الخبر وقص عليهم ما لقيت جيوشه ، ثم فاضت نفسه وهم ينظرون . قال الشيخ : روى قصة أصحاب الفيل من وجوه وسياق عثمان بن المغيرة أتمها وأحسنها شرحا ، وذكر أن عبد المطلب بعث بابنه عبد الله فهو وهم بعض النقلة ، لأن الزهري ذكر أن عبد الله بن عبد المطلب كان موته عام الفيل وأن الحارث بن عبد المطلب كان أكبر ولد عبد المطلب ، وكان هو الذي بعثه على فرسه لينظر ما لقي القوم

عن ابن شهاب الزهري أنه : أول ما ذكر من أمر عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا خرجت من الحرم فارة من أصحاب الفيل وهو غلام شاب ، فقال : والله لا أخرج من حرم الله أبغي العز في غيره ، فجلس عبد المطلب عند البيت ورحلت قريش عنه ، فلم يزل ثابتا بالحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه ، ورجعت قريش وقد عظم فيهم عبد المطلب لما رأوا من بصيرته وتعظيمه لمحارم الله عز وجل

عن جوثة بن عبيد بن أمية بن عبد الرحمن قال : سمعت نوفل بن معاوية الدئلي يقول : رأيت الحصاة التي رمي بها أصحاب الفيل حصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر مختمة كأنها جزع (1) ظفار

عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا (1) ، ولم ير أحد سوأتي . »

عن ابن عباس ، عن أبيه العباس ، رضي الله عنه قال : « ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا (1) مسرورا ، فأعجب ذلك جده وحظي عنده ، وقال : ليكونن لابني هذا شأن ، فكان له شأن »

عن سلمة بن محارب بن سلم بن زياد ، عن أبيه ، عن أبي بكرة ، أن جبريل ، ختن النبي صلى الله عليه وسلم حين طهر قلبه .

عن حليمة بنت الحارث السعدية ، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته ، قالت : « أصابتنا سنة شهباء (1) ، لم تبق لنا شيئا ، فخرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة على أتان (2) لي قمراء ، فلم يبق منا امرأة إلا عرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم فتأباه ، وعرض علي فأبيته (3) ، وذلك أن الظؤورة إنما كانوا يرجون الخير من قبل الآباء ، ويقولون : لا أب له ، وما عسى أن تفعل أمه ، فلم تبق منهن امرأة إلا أخذت رضيعا غيري ، وحان انصرافهن إلى بلادهن ، فقلت لزوجي : لو أخذت ذلك الغلام اليتيم لكان أمثل من أن أرجع بغير رضيع ، فأتيت أمه فأخذته ، فجئت إلى منزلي ، وكان لي ابن صغير ، والله لا ينام من الجوع ، فلما ألقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثديي أقبلا عليه بما شاء الله من اللبن حتى روي ، وروي أخوه وناما ، فقام زوجي إلى شارف (4) لنا ، والله ما أن تبض (5) بقطرة فلما وقعت يده على ضرعها ، فإذا هي حافل (6) ، فحلب ثم أتاني ، فقال : والله يا بنت أبي ذؤيب ما أظن هذه النسمة الذي أخذناها إلا مباركة ، فأخبرني بخبر الشارف ، وأخبرته بخبر ثديي ، وما رأيت منهما ، ثم أصبحنا فغدونا فكنت على أتان قمراء ، والله ما أن تلحق الحمر ضعفا ، فلما أن وضعت عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت تتقدم الركب ، فيقولون : والله إن لأتانك هذي لشأنا . قالت : فقدمنا بلادنا ، بلاد سعد بن بكر لا نعرف من الله إلا البركة ، حتى إن كان راعينا لينصرف بأغنامنا حفلا (7) ، وتأتي أغنام قومنا ما أن تبض بقطرة ، فيقولون لرعيانهم : ويحكم ، ارعوا حيث يرعى راعي بنت أبي ذؤيب . فلما نزل كذلك ، فبينما هما يوما يلعبان في بهم (8) لنا وراء بيوتنا إذ جاء أخوه يسعى ، فقال : ذلك القرشي قد قتل . فأقبلت وأبوه فاستقبلنا ، وهو منتقع (9) اللون ، فجعلت أضمه إلي مرة ، وأبوه مرة ، ونقول : ما شأنك ؟ فيقول : لا أدري إلا أنه أتاني رجلان ، فشقا بطني ، فساطاه ، فقال أبوه : ما أظن هذا الغلام إلا قد أصيب ، فبادري به أهله من قبل أن يتفاقم (10) به الأمر عندنا ، فلم يكن له هم إلا أن أتيت مكة ، فأتيت به أمه ، فقلت : أنا ظئر (11) ابني هذا قد فصلته ، وخشيت أن تقع عليه العاهة ، فاقبليه ، فقالت : ما لك زاهدة فيه ، وقد كنت قبل اليوم تسأليني أن أتركه عندك ؟ ، لعلك خفت على ابني الشيطان . لا تخافي هذا ، فإن ابني هذا معصوم من الشيطان ، - أو كلام هذا معناه - ، ألا أخبرك عني وعنه أني رأيت حين ولدته بأنه خرج مني نور أضاءت لي به قصور بصرى من أرض الشام . لفظ زياد البكائي »

عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك ، عن برة بنت أبي تجرأة قالت : « أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة - مولاة أبي لهب - بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة ، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي » . قال الواقدي : وقدم مكة عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع وخرجت حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية [ ابن نصر ] بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر واسم أبيه الذي أرضعه الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن [ ملان ] بن ناصرة بن فصية [ بن نصر ] بن سعد بن بكر بن هوازن وإخوته عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وجذامة بنت الحارث وهي الشيماء وكانت الشيماء تحضنه مع أمها وخرجوا في سنة حمراء وخرجت بابنها عبد الله ترضعه وأتان قمراء تدعى سدرة وشارف ذلفاء لا لبن بها يقال لها السمراء اللقوح قد مات سقبها بالأمس ليس في ضرعها قطرة لبن وقد يبس من العجف وقالت أمه آمنة لظئره حليمة : والله إني لأرجو أن يكون مباركا فخرجت برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزلها فتجد حمارتها قد قطعت رسنها وهي تجول في الدار وتجد شارفها قائمة تقصع بجرتها فقالت لزوجها : إن هذا المولود لمبارك فقال : قد رأينا بعض بركته قال : ثم عمد إلى شارفها فحلبها قعبا فسقى حليمة ثم حلبها قعبا فشرب حتى روي ولمس ضرعها فإذا هي بعد حافل فحلب قعبا آخر فشرب حتى روي ولمس ضرعها فإذا هي بعد حافل فحلب قعبا آخر فحقنه في سقاء له ثم حدجوا أتانها وخرجوا فركبتها حليمة وركب الحارث شارفها وحملت حليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديها على الأتان وطلعت على صواحبها بوادي السرر مرتعات فقلن : هي حليمة وزوجها ثم هذا حمار أنجى من حمارتها وهذا بعير أنجى من بعيرها وما يقدران أن يضبطا رؤوسهما حتى نزلت معهن فقلن : يا حليمة ماذا صنعت ؟ فقالت : أخذت والله خير مولود رأيته قط وأعظمه بركة فقالت النسوة : أهو ابن عبد المطلب فقالت حليمة : نعم فأخبرتهن من إقبال درها ودر لقوحها وما رأوا من نجاء الأتان واللقحة فقالت حليمة : فما رحلنا من منزلنا حتى رأيت الحسد في بعض نسائنا فرحن إلى بلادهن قالت : فقدمنا على عشر أعنز ما يرمن من البيت هزالا فإن كنا لنريح الإبل وإنها لحفل فنحلب ونشرب ونحلب شارفنا غبوقا وصبوحا وإني لأنظر إلى الشارف قد نصبت في سنامها وأنظر إلى عجز الأتان وكأن فيها الأفهار وإن كان عجزها دبراء لما نخسها وجعل أهل الحاضر يقولون لرعيانهم : ابلغوا حيث تبلغ غنم حليمة فيبلغون فلا تأتي مواشيهم إلا كما كانت تأتي قبل ذلك ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس ضرع شاة لهم يقال لها أطلال فما يطلب منها ساعة من الساعات إلا حلبت غبوقا وصبوحا وما على الأرض شيء تأكله دابة

حدثني عبد الصمد بن محمد السعدي ، عن أبيه ، عن جده قال : حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنما لها ما ترفع رءوسها ويرى الخضر في أفواهها وأبعارها وما تزيد غنمنا على أن تربض ما تجد عودا تأكله فتروح الغنم أغرث منها حين غدت (1) وتروح غنم حليمة يخاف عليها الحبط قالوا : فمكث سنتين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فطم فكأنه ابن أربع سنين فقدموا به على أمه زائرين لها وهم أحرص شيء على مكانه ؛ لما رأوا من عظم بركته فلما كانوا بوادي السرر لقيت نفرا من الحبشة وهم خارجون منها فرافقتهم ، فسألوها ، فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا شديدا ، ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه وإلى حمرة في عينيه ، فقالوا : يشتكي أبدا عينيه للحمرة التي فيها ؟ قالت : لا ، ولكن هذه الحمرة لا تفارقه ، فقالوا : هذا والله نبي ، فغالبوها عليه فخافتهم أن يغلبوها فمنعه الله عز وجل ، فدخلت به على أمه وأخبرتها بخبره وما رأوا من بركته وخبر الحبشة ، فقالت آمنة : ارجعي بابني ؛ فإني أخاف عليه وباء (2) مكة ، فوالله ليكونن له شأن ؛ فرجعت به . وقام سوق ذي المجاز فحضرت به وبها يومئذ عراف (3) من هوازن يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة في عينيه وإلى خاتم النبوة ؛ صاح : يا معشر العرب فاجتمع إليه أهل الموسم قال : اقتلوا هذا الصبي فانسلت به حليمة فجعل الناس يقولون : أي صبي هو ؟ فيقول : هذا الصبي فلا يرون شيئا ، قد انطلقت به أمه ، فيقال له : ما هو ؟ فيقول : رأيت غلاما وآلهته ليغلبن أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم فطلب بعكاظ فلم يوجد ورجعت به حليمة إلى منزلها فكانت لا تعرضه لأحد من الناس وقد نزل بهم عراف فأخرج إليه الصبيان أهل الحاضر وأبت (4) حليمة أن تخرجه إليه إلى أن غفلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من الظلة (5) فرآه العراف فدعاه فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الخيمة فجهد (6) بهم العراف أن يخرج إليه فأبت فقال : هذا نبي هذا نبي ، فلما بلغ أربع سنين كان يغدو (7) مع أخيه وأخته في البهم قريبا من الحي قال : فبينما هو يوما مع أخيه في البهم إذ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذته غمية فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجيبه فخرج الغلام يصيح بأمه : أدركي أخي القرشي فخرجت أمه تعدو ومعها أبوه فيجدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا منتقع (8) اللون فسألت أمه أخاه : ما رأيت ؟ قال : طائرين أبيضين فوقنا فقال أحدهما : أهو هو ؟ قال : نعم فأخذاه فاستلقياه على ظهره فشقا بطنه فأخرجا ما كان في بطنه ثم قال أحدهما : ائتني بماء ثلج فجاء به فغسل بطنه ثم قال : ائتني بماء ورد فجاء فغسل بطنه ثم أعاده كما هو قال : فلما رأى أبوه ما أصابه شاورت أمه أباه وقالت : نرى أن نرده إلى أمه ؛ إنا نخاف أن يصيبه عندنا ما هو أشد من هذا فنرده إلى أمه فيعالج فإني أخاف أن يكون به لمم (9) فقال أبوه : لا والله ما به لمم إن هذا أعظم مولود رآه أحد بركة والله إن أصابه ما أصابه إلا حسدا من آل فلان لما يرون من عظم بركته مذ كان بين أظهرنا يا حليمة قالت : إني أخاف عليه ، فنزلت به إلى أمه فذكرت من بركته وخيره ولكنه قد كان من شأنه ، فأخبرتها خبره قال ابن عباس : رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين وكان غيره يقول : رد إلى أمه وهو ابن أربع سنين وكان معها إلى أن بلغ ست سنين

عن موسى بن يعقوب الزمعي عن عدة من شيوخه كل قد حدثه من هذا الحديث بطائفة وغير هؤلاء المسمين قد حدثوني أيضا من أهل ثقة وقناعة قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون مع أمه فلما بلغ ست سنين خرجت به أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به أخواله ومعه أم أيمن فنزلت به في دار النابغة ، - رجل من بني عدي بن النجار - ، فأقامت به شهرا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك لما نظر إلى أطم بني عدي بن النجار عرفها قال صلى الله عليه وسلم : « نظرت إلى رجل من اليهود يختلف إلي ينظر إلي ثم ينصرف عني فلقيني يوما خاليا فقال : يا غلام ما اسمك ؟ قلت : أحمد ونظر إلى ظهري فأسمعه يقول : هذا نبي هذه الأمة ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر فأخبروا أمي فخافت علي فخرجنا من المدينة ، وكانت أم أيمن تحدث تقول : أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا : أخرجي لنا أحمد فأخرجته ونظرا إليه وقلباه مليا (1) حتى إنهما لينظران إلى سوأته (2) ثم قال أحدهما لصاحبه : هذا نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي (3) أمر عظيم قالت أم أيمن : ووعيت (4) ذلك كله من كلامهما »


عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه قال : حدثني شيوخ من قومي أنهم خرجوا عمارا وعبد المطلب يومئذ حي بمكة ومعهم رجل من يهود تيماء صحبهم للتجارة يريد مكة أو اليمن فنظر إلى عبد المطلب فقال : إنا نجد في كتابنا الذي لم يبدل أنه يخرج من ضئضئ (1) هذا نبي يقتلنا وقومه قتل عاد

عن نافع بن جبير قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتذكر موت عبد المطلب ؟ قال : نعم وأنا ابن ثمان سنين قالوا : فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو ابن ثمان سنين وكان يكون معه وكان أبو طالب لا مال له وكان له قطيعة من إبل تكون بعرنة يبدو إليها فيكون ينشأ فيها ويؤتى بلبنها إذا كان حاضرا بمكة وكان أبو طالب قد رق عليه وأحبه وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا وكان إذا أراد أن يعشيهم أو يغديهم فيقول : كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم وإن كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم ثم يتناول العيال القعب فيشربون منه فيروون عن آخرهم من القعب الواحد وإن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده فيقول أبو طالب : إنك لمبارك وكان الصبيان يصبحون شعثا رمصا ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا قال : فحدثني علي بن عمر بن الحسين عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن الحنفية عن عقيل بن أبي طالب قال : سمعته يقول : كنا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام لصبوحنا يقول أبو طالب : أي بني ائتوا زمزم قال فنأتي زمزم فنشرب منها فنجتزئ به

حدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد ، عن أهله ، عن أم أيمن قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا جوعا قط ولا عطشا فكان يغدو (1) إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغداء فيقول : لا أريد أنا شبعان

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجر أبي طالب بعد جده عبد المطلب فيصبح ولد عبد المطلب غمصا ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا (1) صقيلا

ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام في المرة الأولى وما اشتمل عليه ذلك من الدلائل المتقدمة لنبوته صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين . أجمعت قريش أن يجهزوا عيرا إلى الشام بتجارات وأموال عظام وأجمع أبو طالب المسير في تلك العير فلما تهيأ له المسير انتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يشخص معه فرق عليه أبو طالب قال : أتخرج ؟ فكلمه عمومته وعماته وقالوا لأبي طالب : مثل هذا الغلام لا يخرج به ؛ تعرضه للأرياف والأوباء فهم أبو طالب بتخليفه فرآه يبكي قال : ما لك يا ابن أخي ؟ لعل بكاءك من أجل أني أريد أن أخلفك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم فقال أبو طالب : فإني لا أفارقك أبدا فاخرج معي فخرج فلما نزل الركب بصرى من الشام وبها راهب يقال له بحيرا الراهب في صومعة وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه فلما نزلوا ببحيرا وكان كثيرا ما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم حتى كان ذلك العام فنزلوا قريبا من صومعته وقد كانوا ينزلون قبل ذلك فلما مروا عليه صنع لهم طعاما ودعاهم وإنما حمله على ذلك أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت شجرة ثم نظر تلك الغمامة قد أظلت الشجرة فتهصرت أغصان الشجرة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى استظل فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتى به وأرسل إليهم : يا معشر قريش إني قد صنعت لكم طعاما وأنا أريد أن تحضروا ولا يتخلفن منكم صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد فإن هذا شيء تكرمونني به فقال رجل من القوم : إن لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع قبل هذا فما شأنك اليوم ؟ فقال : أحببت أن أكرمكم ولكم علي حق فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه سنا ؛ ينظر رحالهم تحت الشجرة فلما نظر بحيرا إلى القوم ولم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها محلقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بحيرا : يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي هذا قالوا : ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالنا قال : ادعوه فليحضر طعامي فما أقبح من أن تحضروا ويتخلف واحد ، إني أراه من أنفسكم ، قالوا : هو والله من أوسطنا نسبا وابن أخي هذا الرجل وهو من ولد عبد المطلب ، فقام الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف فقال : والله كاد اليوم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وانقلعت الشجرة من أصلها حين فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى شيء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه بحيرا فقال : يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وأي حق لهما عندي ؟ لا تسألني بحق الات والعزى ؛ فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ، وما تأملتهما بالنظر إليهما كراهة لهما ، ولكن اسألني بالله أخبرك عما تسألني عنه إن كان عندي علم » قال بحيرا : فبالله أسألك ، وجعل يسأله عن أشياء من أحواله فيخبره حتى سأله عن نومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تنام عيناي ولا ينام قلبي وجعل ينظر في عينيه إلى الحمرة ثم قال لقومه : أخبروني عن هذه الحمرة تأتي وتذهب أو لا تفارقه ؟ قالوا : ما رأيناها فارقته قط وكلمه أن ينزع جبة عليه حتى نظر إلى ظهره وإلى خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام مثل زر الحجلة متواسطا فاقشعرت كل شعرة في رأسه وقبل موضع خاتم النبوة وجعلت قريش تقول : إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا وجعل أبو طالب - لما رأى من الراهب - يخاف على ابن أخيه ثم قال الراهب لأبي طالب : ما يكون هذا الغلام منك ؟ قال : ابني قال : ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون أبوه حيا قال : فإنه ابن أخي قال : فما فعل أبوه ؟ قال أبو طالب : توفي وأمه حبلى به قال : فما فعلت أمه ؟ قال : توفيت قريبا قال : صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله إن رأوه أو عرفوا منه الذي أعرف ليبغنه عنتا فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا ، وقد أخذ علينا مواثيق ، قال أبو طالب : من أخذها عليكم ؟ فتبسم الراهب ثم قال : الله أخذها علينا ، نزل به عيسى ابن مريم ، فأقلل اللبث وارجع به إلى بلده مولده ، فإني قد أديت إليك النصيحة ، فإن اليهود تطمع أن يكون فيها ومتى يعلموا أنه من غيرها يحسدوه ، قال : ورآه رجال من اليهود فأرادوا أن يغتالوه وعرفوا صفته وهم : زريد وتمام ودبيس وهم من أهل الكتاب كانوا قد هموا وأجمعوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه ذلك وهم يظنون أن بحيرا سيتابعهم على رأيهم فنهاهم أشد النهي وقال لهم : أتجدون صفته ؟ قالوا : نعم قال : فما لكم إليه سبيل فتركوه وخرج به أبو طالب راجعا سريعا خائفا من اليهود أن يغتالوه قال : وشب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب يكلؤه الله ويحفظه من أمور الجاهلية ومعايبها ؛ لما يريد به من كرامته وعلى دين قومه حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم جوارا وأكرمهم مخالطة وأحسنهم خلقا وأعظمهم حلما وأصدقهم حديثا وأعظمهم أمانة وأبعدهم من الفحش والأذى ما رؤي ملاحيا أحدا ولا مماريا أحدا حتى سماه قومه الأمين ؛ لما جمع الله له من الأمور الصالحة فلقد كان الغالب عليه بمكة الأمين

عن أم سعد بن الربيع عن نفيسة بنت أمية أخت يعلى سمعتها تقول : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين ؛ لما تكاملت فيه من خصال (1) الخير قال له أبو طالب : يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة ليس لنا مادة ولا تجارة وهذه عير (2) قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها ويصيبون منافع فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك ؛ لما يبلغها من طهارتك وإني كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من اليهود ولكن لا نجد من ذلك بدا ، وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف (3) ومال كثير وتجارة وتبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش ، وكانت تستأجر الرجل وتدفع إليه المال مضاربة ، وكانت قريش قوما تجارا من لم يكن تاجرا فليس عندهم بشيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلعلها أن ترسل إلي في ذلك قال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك ؛ فتطلب أمرا مدبرا . فافترقا فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبل ذلك ما قد بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه فقالت : ما دريت أنه يريد هذا . ثم أرسلت إليه فقالت : إنه قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي أبا طالب فقال له ذلك فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة (4) راهب من الرهبان يقال له نسطورا قال : فتطلع الراهب إلى ميسرة وكان يعرفه فقال : يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال : من قريش من أهل الحرم قال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ثم قال : أفي عينيه حمرة ؟ قال ميسرة : نعم لا تفارقه قط . قال الراهب : هذا هو وهو آخر الأنبياء ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج فوعى ذلك ميسرة ثم حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها واشترى فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة فقال له الرجل : احلف باللات والعزى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حلفت بهما قط وإني لأمر بهما فأعرض عنهما فقال الرجل : القول قولك ثم قال لميسرة وخلا به : يا ميسرة هذا نبي والذي نفسي بيده إنه لهو هو ويجده أحبارنا (5) منعوتا في كتبهم فوعى ذلك ميسرة ثم انصرف أهل العير جميعا وكان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة (6) واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره (7) . وقال : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارتها قد ربحت ضعف ما كانت تربح وأضعفت له ما سمته له قال الشيخ : وما تضمن هذا الفصل من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين تزوجت آمنة وحملها ووضعها به واسترضاعه وحضانة حليمة ظئره إلى أن بلغ خمسا وعشرين سنة المقرونة بالآيات دلالة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجها عن المتعارف والمعتاد مع توسم أهل الكتب وغيرهم الأمارات التي دونتها الكتب المتقدمة والأخبار السالفة بالبشارات به فترقبهم لمبعثه ومخرجه علامات ودلائل لمن أراد به الإيمان وصار به مؤمنا موقنا ولنبوته محققا

عن أبي سلمة ، عن جابر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث (1) فقال : « عليكم بما اسود منه فإنه أطيبه فقلنا : وكنت ترعى الغنم ؟ فقال : نعم وهل من نبي إلا وقد رعاها »

عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : وأنا كنت أرعاها لأهلي بمكة بالقراريط (1) ومما يدخل في هذا الباب مما خص الله به نبيه في الجاهلية الجهلاء أن وفقه لوضع الحجر الأسود موضعه بيده لما اختلفت قريش في وضعه دلالة بصحة نبوته

عن مجاهد قال : حدثني مولاي عبد الله بن السائب قال : كنت فيمن بنى البيت وأخذت حجرا فسويته ووضعته إلى جنب البيت وإن قريشا قد اختلفوا في الحجر حيث أرادوا وضعه حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف فقالوا : اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين فقالوا : قد دخل الأمين فقالوا : يا محمد قد رضينا بك فدعا بثوب فبسطه ثم وضع الحجر فيه ثم قال لهذا البطن ولهذا البطن لجميع البطون من قريش : « ليأخذ كل رجل من كل بطن (1) منكم بناحية من الثوب فرفعوه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه »

عن معتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : لما أخذت قريش في بناء الكعبة فانتهوا إلى وضع الحجر الأسود تنازعت فيه الأرباع من تلك القبائل وتحاسدت أيهم يلي رفعه حتى ألم أن يكون بينهم فيه أمر شديد فصار من أمرهم أن يحكموا أول رجل يدخل عليهم الباب من نحوهم وتعاقدوا بالله رب البيت أن يولوه إياه من كان فخرج عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الباب أمرا اختصه الله عز وجل به وهو يومئذ يدعى الأمين فقالت القبائل من قريش : هذا الأمين ابن عبد المطلب وهو بيننا وقد رضينا به فلما انتهى إليهم قال لهم : « ما أمركم هذا ؟ قالوا : يا ابن عبد المطلب نازعنا في هذا الحجر وتحاسدنا فجعلناه إلى أول من يدخل علينا من هذا الباب فكنت أول داخل فافعل فيه أمرا تصلح قومك فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا فبسطه ثم أخذ الحجر فوضعه فيه ثم أمر تلك القبائل فأخذوا بجوانب الثوب فرفعوه على إصلاح منهم وجماعة حتى انتهى إلى موضع الحجر فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه بيده وولاه الله عز وجل ذلك قبل مبعثه بسبع سنين »

عن مودود مولى عمر بن علي عن عمر بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا وضعت الركن بيدي يوم اختلفت قريش في وضعه فقال أبو طالب : إن لنا أوله وآخره في الحكم والعدل الذي لا ينكره وقد جهدنا جهدنا لنعمره وقد عمرنا خيره وأكثره فإن يكن حقا ففينا أوفره قال الشيخ : وقد حصلت من قريش شهادة مثلها بعد بعثته صلى الله عليه وسلم اعترافا منهم أنهم لم يجربوا عليه كذبا قط